السبت، 17 مايو 2014

غنوة للموت



في لقاء تلفيزيوني في فترة ما قبل الثورة، كان فيه مذيع مستضيف خالد ابو النجا وسأله "لو حابب تكون شخصية خيالية تختار مين؟!"، خالد يومها مسبش مساحة للانتظار أو التفكير ورد كإن الاجابة مترتبة والسؤال مألوف . "كنت أحب اني اكون زيوس الاله عند اليونان القديمة، عندي هيئة بشري كاملة، لكني أملك القدرة على تحريك كل حاجة وخلق عالم كامل !!".

كل حكاية أو فيلم كان الكاتب بيحاول انه يصنع عالم كامل، ومختلف بشئ من الكلية، بيفشل في جزئية أو تفصيلة حتى ولو كانت صغيرة، ان لم تكن في فكرة العالم نفسه زي فيلم (the invention of lying) فبتكون في الشخصيات.
الكاتب في الحالة دي طبيعته البشرية بتفرض نفسها في الحكاية، فمش غريب، انه يوقف العالم عشان شخصية رئيسية ماتت.
يمكن من الروايات القليلة اللي حسيت انها انتهت بنهاية سعيدة تقريباً ومنطقية في نفس الوقت هي سلسلة (harry potter) لان النهاية اتبنت على منطق أكتر من مشاعر تعاطف الكاتبة مع شخصياتها، (رولينج) أصيبت بجنون الدم بشكل مخيف في الجزء الأخير قتلت أبطال جانبيين كتير ووصفت مشاهد قتلهم أو موتهم بمنتهى السخرية سواء موت (ألاستور مودي) أو (لوبين وتونكس) أو حتى (فريد ويزلي)، الجزء ده هي تفوقت على نفسها فعلاً في كل حاجة وأخرجت جزء أشبه للكمال، بعكس الجزء الخامس اللي مخبتش مظاهر تعاطفها تجاه (هاري) لما (سيرياس بلاك) مات .


الموت  
على الفراش تستلقي، تنظر بعينين شبه مغمضة إلى شرفة الحجرة المطلة على أشجار التوت، وقد وقفت بعض العصافير على أغصانها تغرد، في لحن هادئ يشوبه قليل من الحزن، تشتم الورود التي قد وُضعت بجانبك، تأتي الممرضة في تلك اللحظة لتعلمك أن أبناءك قد أتوا لزيارتك اليوم، تبتسم لسماع الخبر، وحين يدخل عليك العائلة، أبنائك أحفادك والجميع، تنظر إلى صورة زوجتك الوفية موضوعة على الطاولة تبتسم لها، وتنسحب من الحياة بهدوء، وابتسامتك لا تخبو، وتسرع إلى لقاءها في موعد غرامي في عالم آخر كما الأيام الخوالي.

هذا ليس هو الموت، الموت لص متخفي يتحين الفرصة المناسبة حين تأمن للحياة، يختطف الفريسه المناسبة لازعاجك، ويترك لك فجوة كي تتأثر... البعض يبكي لأيام وليالي، والبعض الآخر يحاول كتابة بعض الرثاء ظناً ان روح من مات، تظل ترفرف حولهم، تستمع لاطرائاتهم الساذجة.! روحه التي تذهب بعيداً حين يبدأ الناس في نسيان الذكرى كما تبدأ صورته في الذهاب بعيداً عن أذهانهم.
"حقاً لو كان الموت رجلاً لأخذته السخرية منكم حد الجنون"

أسوأ من الموت انك تعيش بذكراه ..
أسوأ من الموت انك تبطل تخاف منه ..
أسوأ من الموت انك تستخف بيه ..
أسوأ من الموت هو الخلود في حياة لا نهائية !!

هل ممكن حياتك تتربط بحد ميت؟!!
الفكرة نفسها مخيفة، لكن الحقيقة الأكثر رسوخاًً عند الناس، أن مجرد التذكر يعبر عن الكثير من الولاء، كما الكتابة ولاء لبعض الأشياء ولشخص واحد.

في مقالتها (حقائق عن قلب الكاتب) (جانيت لوبلانك) كانت بتقول " الحقيقة الثانية: الكاتب لديه عشيقة سريّة دائمًا .... هي ربّة الإلهام واسمها ميوز. يعمل لها بإخلاص. يفعل أي شيء لإرضائها وإبقائها قريبة. بالغزل، بالإغواء. يجثو على ركبه، يرافع عن قضيته أمامها بيأس. وعندما تتركه -كما تفعل دائمًا- عليه أن يكتب حتى يكتشف طريق العودة إليها. لأنها لا تستجيب إلا للأفعال".
الميزة اللي ممكن تحصل عليها من ارتباطك بشخص ميت، انك مكون أبعاد وملامح واضحة ليه، ابتسامته، أسلوبه في الكلام، عقليته، ضحكته .. الخ، لكن نقطة الضعف ان تعاملك مع الشخص الميت مش هيكون نابع غير بهوسك للماضي.

لما سألت ياسمين أكرم -وهي من أفضل كٌتاب المدونات بالنسبالي لحد دلوقتي- عن الناستولوجيا، قالتلي " النوستالجيا بتبقى مرض ، لما بتفصلك عن الواقع و عن كل الحاجات الجميلة اللى بتعيشها أو ممكن تعيشها لمجرد أنك محبوس ف صورة قديمة ، مش قادر تتخيل صورة أجمل منها .النوستالجيا خداعة كمان ، لأنها بتصورلك إمبارح بشكل خادع ، بتخليك تفتكره بشكله أجمل ، مع أن الحقيقة هى أنك لو رجعت تعيشه تانى حتكتشف أنه عكس كده ! فى رواية لميلان كونديرا أسمها " كائن لا تحتمل خفته " بيقول فيها : " هل بالإمكان إدانة ماهو زائل ؟ إن غيوم المغيب البرتقالية تضفي على كل شيء ألق الحنين ، حتى على المقصلة "


كان نفسي أكتب حاجة لمي سليم، لكن علاقتي السطحية بيها مسعدتنيش في الكتابة عنها، غير اني دايماً في حكايتي حقول انها أول شخص أتعامل معاه في (civil work) وتعملي انترفيو، وبرغم سني الصغير في الوقت ده الا انها محسستنيش بده بعكس معظم الناس.
دي صورة من آخر مرة أشوف فيها مي
ربنا يرحمها ..



الأحد، 4 مايو 2014

لمجرد الهوس

ايه تعريف الجنون !!
ان الروابط بين الأشياء تفقد تماسكها بشكل متسلسل .. انك تبذل قصارى جهدك لعمل نظرية من لا شئ..انك تعيد النَهج كل مرة في انتظار نتائج مختلفة.
يقال أن المجنون هو الشخص اللي بيفشل في تكوين علاقات اجتماعية مع غيره من الناس، هو مش بيحط اعتبارات أبداً، وبيجرد الناس من كل اللي بيملكوه من تملق وسياسة، كلامه بيكون قاسي جداً لكنه حقيقي بدرجة مدهشة.

في يوم رحت درس العربي وكنا بندرس حكاية شاعر، وهب حياته في سبيل انه يلاقي شعر موصلهوش حد، كلمات مختلفة، ألفاظ قوية وجديدة، ونغمة متسمعتش قبل كده، يقدر يعبر عن الحياة بشكل مختلف وعميق، وفضل يجري ورا حلمه لدرجة ان حلمه خلاه ميديش فرصة لقلبه انه يحب بنت أو يقع في غرامها، وفي بيت من أبياته كان بيتكلم عن نفسه وبيقول "لم يعشق الغيد لكنه ... هام ببكر من بنات الخيال"، الأستاذ لما شرح البيت ده بالذات، كل اللي في القاعة فضلوا يضحكوا، لكني اتأثرت جداً بالفكرة ومكنتش عاوز ان الأبيات تنتهي بيأسه وقراره التوقف عن الحياة الأدبية بشكل كامل لانه آمن ان حلمه مستحيل، اسم الشاعر ده هو (عبد الرحمن شكري).
حاولت أعرف أكتر عن قصة حياته، ومقدرتش أجمع عنه غير انه عاش طول حياته وحيد وكان مجتهد جداً تجاه حلمه زي ما كان بيوصف نفسه في الأبيات، وان العقاد قال عنه "الرائد الضي سبق زمانه في عدة حسنات مأثورات" ولما أصابه الياس وقرر انه يعتزل الحياة الأدبية، قام حرق معظم أعماله إن لم يكن كلها، ومات واتدفن في اسكندرية في صمت وتجاهل سخيف.

النهارده وطول الفترة اللي فاتت كنت بخمر فكرة اني أقف عن نشر أي حاجة جديدة وأكتفي بسرد مذكرات وخواطر فقط، وحتى اشعار آخر، وده بعد تفكير عميق جداً في كلام (محمود صابر). "متنشرش حاجة فقط لمجرد النشر"، كنت بفكر في ان النشر ممكن يتحط في اعتبار انه نتاج لهوس الظهور في عقلنا الباطن زيه زي أي فعل تجاه أي شئ، أنا مش مؤمن باعتقاد اننا المفروض نتعامل على أساس ان الانسان ناقص، لكن المفروض ندور عن المثالية، ونفضل متمسكين بالفكرة لحد ما نموت، أكيد احنا مش كاملين، لكن ساعتها حنقدر نوصل لأقرب نقطة للمثالية، لو اقتنعنا تمام القناعة بفكرة ان الانسان مش كامل وبدأنا نتعامل على الأساس ده، فاحنا منستحقش أبداً  ان ربنا يحاسبنا على أي أفعال.

 مرة سالت شخص أشعاره عزيزة جداً علياً: ايه اللي خلاه يبدأ في الشعر بجدية!!، أخد وقت كده وهو بيشرب سيجارته ببطئ وبينفخ دخانها، وبصلي وقاللي عارف يا حاتم أنا بدأت أقول شعر عشان لقيت انه أكتر حاجة بتعجب البنات، استغربت جداً ساعتها، ممكن مش عشان الاجابة صريحة وغير مألوفة بشكل غير متوقع، على قد ما انها مش واضحة بالنسبالي، عشان هو حالياً بيكتب عن حب الوطن بشكل أكثر عمقاً، أفكاره الحالية واهتماماته ممنعتهوش انه يصارح الناس بماضيه وبدايته اللي كانت بشكل أو بآخر في وصوله للمرحلة دي!!، يومها كان أكتر جملة بترن في ودني هي "خليك صريح مع نفسك واتسامح مع ماضيها"