الخميس، 19 نوفمبر 2015

الاستقبال.. التهيئة. الماهية

أظن أن تهيؤ الانسان لاستقبال وتقبل معرفة ما، مع سابق إقرار نواياه وتوجه كامل ادراكاته، ما هو إلا تمهيد لفتحٍ يفتحه اللهُ على قلبه، فإنك إن كنتَ تريدُ أن تتقرب إلى الله حقَ التقرب، أو أنك  تحب أن تعرف الله خالص الحب، فستتكشف لك الوسائل لذلك.
ووسائل معرفة الله لا تكون إلا بالخير، وبالخير وحده نعرف الله.
وأما الشر فهو انتفاء لوجود الخير، وهُو بذلك يؤدي إلى سبيلين إما أن يَطمس الشرُ على قلب المرء فلا يستطيع إدراك الحقيقة، ولا تستكمل رحلته؛ وذلك لتهيئة في نفسه لهذا الشر، وإما أن تدركَ النفسُ أن الشرَ شرٌ، فتنزع إلى نقيضه وهو الخير، ومن عَرفَ الشر حقاً، نَزَعَ إلى نقيضه. والشر لازم من لوازم وجود الخير، مؤكدٌ لوجوده.
وأما عن التهيئة فهي ليست منحاً إلهياً في ذاته، وإنما المنح الإلهي يكون في التوفيق، وحسن الرأي وصوابه، فالتهيئة الخبيثة لإستقبال النفس الشر إنما هي من عمل الإنسان، أما التهيئة الطيبة لإستقبال الخير فتكون باجتهاد الانسان وتوفيق الله له في ذلك؛ لأن الشر لا يأتي من الخير المحض، والله هو صانع الخير، فلا يصدر عنه شر، ولهذا فإن الشر لا يوجد بشكل محض وإنما هو لازم من لوازم تصورنا عن الخير، فهو ليس مفهوماً بقدر ما هو اصطلاح لادراك نقيضه؛ وهو يكون بسبب اختلاف تصور الأشخاص، أو بسبب زيادة في حد ما أو حصر في حد آخر، وليس الخير المحض كتصورنا البشري عن  الخير المحض، فعلى الرغم من ان الشر ليس صادر من الله، إلا أن الله يعلمه، فهو العالم الأعلم، الخالق للجنة والنار، دار ومصير الناس حسب أصنافهم، شقي وسعيد، ولذلك فإن العلم بالخير والشر وتصوراتهم المتجرده هو جزء من علم الله لا يعلمه إلا هو.
والذهاب بالقول أن حسن الرأي وصوابه إنما هو منح من الله؛ علته أن الانسان يبدأ بالمنطق لكنه لا يستمر عليه، فيدور الشخص في أفلاك من الشك والوهم، ما له فيها من نصير، وذلك أن الخطأ و الهوى جزءٌ من نفسه ممتزجٌ بها، لا يفصل عنها شئ، فإذا كان ما خرج به الانسان صواباً فهو لا يكمن بالتأكيد في رجاحة عقله فقط.
وأما آية وجود خير محض؛ فإن العالم الذي يخلو فيه الأذى تماماً يمكن تصوره وإن استحال تطبيقه، أما الشر المحض فلا يمكن تصوره؛ وذلك أن الانسان وإن سعى إلى أذى كل ما حوله، فإن هذا لا ينفي حقيقة أنه يسعى لارضاء نفسه وذاته، وإن لم تكن الدافع الأول.  وهو أمر خيّرٌ بالنسبة لهذهِ النفس، وهو ما ينفي كون هذا الشر محض. والله أعلم.

ولأن كل شئ له ماهية، من خلالها ندرك حقيقة ذاته بواسطة لوازمه، فالظلام من لوازم وجود الضوء، والضوء من لوازم وجود مصدر له، وهو الشمس، إذاً جزء من من ماهية الشمس هو إصدار الضوء، ولعل ماهية الأشياء محصورة على قصر نظر الناظر فيها والمتفكر بها، فالماهية كونها ماهية خالصة، يوقن الانسان في وجودها، إلا أنها لا يصل إليها بشكل يقيني.
 إن يظن إلا ظناً.

وأحسب أن كل شئ له ماهية واحدة خالصة ومتجرد؛ واجتماع ماهيتين لشئ واحد هو قصور في النظر، واستعجال في الرأي، فالعالم كله صغيره وكبيره، أجرامه وحيوانته، ذواته وماهياته، تدور في فلك واحد، وحسبه ان تكون له ماهية ثنائية، فالماهيتين التي نصل إليهم ما هما إلا تعبير عن ماهية أخرى أكثر تجرداً وهكذا، حتى نصل إلى ماهية واحدة تتحد فيها الأضداد، وماهيات هذه الأشياء كما أسلفنا علم من علم الله، وما نظن إلا ظناً، فلا تدركها نفس ولا تخطر على خيال، ولا تَكَلَم بها أحد.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق