الأربعاء، 5 يونيو 2013

نخب الانتقام

لم يتعرف على نفسه عندما نظر لها في المرآة المتسخة، لم يدرك إلى أي مدى قد أسرف في الشراب تلك المرة، رأى النظرة المتغطرسة المنعكسة امامه على المرآة المتسخة وكأنها تسخر من حاله الذي وصل إليه، لماذا لا يدرك شعور السقوط قبل أن يسقط لماذا لم يتذكر مرارة الندم قبل أن يفعل، لم يدر ماذا يفعل؟!!، هل يحرق ذلك الجسد الساخط عليه، هل يعذب نفسه لكي يشعر بمدى فداحة ما وصل به الحال، ولكن نيران الندم بدأت في الاشتعال مرة أخرى في أعماقه فهو بالطبع يتذكر تلك اللحظات التي قرر فيها النزول إلى تلك الحانة الرثة في آخر شارع تلك البقعة الرديئة من المدينة القميئة التي يعيش بها أو بمعنى أصح ما أجبره الواقع على العيش فيها، بالطبع يتذكر نفسه وهو يقف أمام مرأة شقته النظيفة، أدرك مدى فداحة ما آل اليه عندما رأى نفسه لم يعرف وجهه في البداية من أثر الاشراق البادي عليه فهو لم يتعرض حتى الآن إلى شحوب الشراب أو إلى سكاكين العمر أو إلى الضرب الذي يتعرض له دائما من حراس المكان نتيجة عدم سداده لدفاتر ديونه المكتظة، يتذكر بالطبع وجه تلك الفاتنة التي رقص معها أول رقصة في حياته كان يشعر بأنه يملك الحياة باكملها، ولكن كم كان مغفلاً في ذلك. انه كلما كان يشعر باشباع نشوته في الحياة لم يكن يدرك أنه يقتل روحه وتزداد انسانيته قباحة، لقد اصبح وجهه أكثر قبحاً ممن قد يكون استعمل هوركروكساً.      لكن اليوم اختلف الأمر لم يدر بنفسه وهو يترنح بجسده الذي امتلأ حوالي عشرين كيلوجراماً عن الصورة المشرقة، كان يترنح وهو يسب صاحب الحانة الذي أطلق عليه حراسه الذين بدأوا في ضربه بشدة واهانته أمام الجميع، لم يرحمه أحد تلك المرة، كأن روحه المقتولة عادت لتنتقم منه على يد هؤلاء الناس، لم يشعر بجسده وهم يحملونه خارج الحانة وينهالون عليه بالضرب والسب في الشارع أيضاً، لم يدر بشئ سوى عند استيقاظه بعد ساعات من رجوعه الى شقته التي ظهر بها عدم الاهتمام من صاحبها وهو يحاول ان يتذكر كيف عاد لكنه لا يعلم، انتابته كل تلك الذكريات في الحمام الخاص بشقته المتسخة وهو يحاول أن يقنع جسده بأن مفارقة الحياة هي أفضل شئ له في تلك اللحظات من أثر ما آل اليه الوضع لكنه يخشى من المجهول فربما يلقى روحه هناك وتسعى ان تنتقم منه شر انتقام ولا مجال للهروب من الجحيم وهي تقف امامه ساكنة ساخرة تحضر لنفسها كأساً تنوي أن تجعله نخباً قد تطلق عليه نخب الانتقام.                       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق